أطلق المركز اللبناني للعدالة مبادرة “الحد من الهجرة غير النظامية عبر قوارب الموت”، في ندوة أقيمت في قاعة المحاضرات في الرابطة الثقافية بطرابلس بحضور النواب طه ناجي، رامي فنج، جميل عبود، كريم كبارة ممثلا بالدكتور سامي رضا، اللواء أشرف ريفي ممثلا بكمال زيادة، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، النائب السابق مصباح الأحدب، النائب السابق الدكتور علي درويش، القاضي أماني حمدان العمر، نقيب المحامين المحامية ماري تريز القوال، وحشد من رؤساء الأندية والجمعيات الثقافية والإجتماعية وجمهور من المهتمين.
في الإفتتاح النشيد الوطني اللبناني والوقوف دقيقة صمت حدادا على ارواح ضحايا “زوارق الموت” ثم ألقى المهندس فادي عبيد كلمة تقديم شرح فيها اهمية هذا التحرك لوضع المعنيين أمام مسؤولياتهم الإجتماعية والوطنية وتأمين حاجيات المواطنين وتوفير متطلباتهم مما يضع حدا للهجرة غير المشروعة وتمكينهم من البقاء في وطنهم مما يحول دون الإقدام على تكبّد المخاطر وفقدان حياتهم وحياة عائلاتهم.
يكن
ثم تحدثت الدكتورة عائشة يكن معلنة إطلاق المبادرة وقالت: لقد أخذ «المركز اللبناني للعدالة» على عاتقه، أن يتحرك بإيجابية ومسؤولية، إزاء ما يتعرّض له أي إنسان من ظلم وقهر وفقدان للكرامة. وتشكّل هذه المبادرة باكورة أعماله، حيث يدعو عبرها الهيئات والمنظمات والمؤسسات والأفراد إلى احتضان كل إنسان تملّكه اليأس والإحباط إلى درجة تساوى لديه فيها الموت والحياة، وبلغ من الهشاشة والضعف ما جعله هدفا سهلا ولقمة سائغة لعصابات تهريب البشر.
وطالت عشرات الأطفال والنساء، ووصلت إلى حدّ يفوق قدرتَنا على البقاء مكتوفي الأيدي، في ظل غياب معالجة جذرية لهذا الملف. ورغم أن المسؤولية تقع على السلطات المعنية في لبنان، لجهة الحدّ من تفاقم هذه الظاهرة، على يد مهربين محترفين، نظرا لأن الدولة بمؤسساتها المختلفة، هي المالكة الشرعية لصلاحية إقرار التشريعات الوضعية، وملاحقة المخالفين، إلا أننا، وانطلاقا من مبادئنا الإنسانية، ومسؤوليتنا المجتمعية، التي تقوم على قاعدة: ليس منا من بات شبعان وجارُه جائع، نضع بين أيديكم هذه المبادرة التي ترتكز إلى أربعة محاور أساسية: التوعية والدعم النفسي والدعم المهني والدعم القانوني.
وشددت على اهمية التوعية من قبل المؤسسات والأفراد لاسيما المؤسسات الدينية والتربوية وهيئات المجتمع المدني ، كما دعت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، بما في ذلك الإعلام الرقمي والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، إلى القيام بأوسع الحملات المناهضة للهجرة عبر قوارب الموت.
إمام
وتحدث المفتي الشيخ محمد إمام فثمّن عاليا وأثنى على هذه المبادرة التي يقوم بها المركز اللبناني للعدالة ووصف هذه المأساة بأنها ظاهرة تهورية منبثقة عن واقع أليم أدت إلى قفزة في المجهول وأنّ هذه الظاهرة مركبة من يأس خاطىء وأمل خادع ومن وعود مُغرضة وإستغلال وتجارة آثمة ومجازفة يدفع فيها المهاجر المبالغ الطائلة لشراء المجهول وينتقل من السلامة المتيقنة إلى الهلاك المحتمل ويُلقي بأعز شيىء لديه وهو روحه وروح اطفاله وأحبابه في خضم متلاطم وأفق متلبّد قاتم.
وتابع: لذلك لا بد أن تنصب المعالجات لهذه الظاهرة على سبل التصدي لهذه النواحي مجتمعة، إبتداء من الناحية النفسية الداخلية لدى المهاجر وصولا إلى تموضعها كنشاط تجاري مربح ومغرر بالأرواح ومسوّق لسلعة هي حياة الإنسان نفسه وحياة عائلته ومستقبلها في إطار وسيلة غير آمنة وغير مضمونة وجهة غير موثوقة.
وتابع: أما الناحية النفسية القلبية فإن الغيمان بالله والقدر هو الركن الاساس فالمؤمن لا يفقد الأمل أبدا، وسلاحه الصبر وهو لا ينهار أمام الأزمات العابرة مهما إشتدت لأن الفرج متحقق قطعا ولو بعد حين. وكما يقول النبي(صلعم) “وأعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الشدة” وفي القرآن الكريم “فإن مع العسر يسرا، إنّ مع العسر يسرا”.
وقال: اما الاسس الملموسة والشرعية لتحمل هذه المعاناة فتبدأ من تقوى الله عزّ وجلّ ثم بأداء الزكاة والحرص على ذلك لمستحقيها والتي ببركتها وتشريعها السامي تكفي وتفيض، ثم بالإحسان والتكافل المجتمعي وبذل المعونات لذوي الحاجات والبحث عنهم ومحاولة الإحصاء والتنظيم والتنسيق للمساعدات .
وختم: على ان لصاحب الحاجة في الإسلام مقالا وحقا مكتسبا، له أن يطالب به بكل قوة وكرامة وهذا أقل بكثير مما يقوم به المقدم على الهجرة من إراقة ماء وجهه وإهانة نفسه وكرامته على اعتاب المجتمع الذي هاجر إليه إن وصل إليه.وإنّ هذا النوع من الهجرة غير الآمنة والمخالفة للشرع والقانون هي مسؤولية مباشرة على من أقدم على الهجرة، وهي مسؤولية جزائية اكبر على من يتاجر ويسوّق ويُغري ويغرر بالناس ويستغل حاجتهم، والذين لا يزال عدد منهم خارج المحاسبة والعقوبة الرادعة والزاجرة، وهي ايضا مسؤولية مجتمعية عامة لا بد أن يأباها المجتمع الحي وان يضع الخطط لمنع تكرارها ولتخفيف المعاناة وتعزيز الصمود والصبر النفسي والمادي لأهلنا وإخواننا وابنائنا.
القوال
ثم تحدثت نقيبة المحامين ماري تريز القوال فقالت :إنّ المشكلة الأولى في قضيتنا هي الفقر الذي يدفعُ الناسَ إلى ركوبِ أعظمِ المخاطر في محاولةٍ للنجاة منه. وكلُّ تناولٍ لهذه الظاهرة خارج إطارِها الاجتماعي الذي يلقي مسؤولياتٍ سياسيةً وقانونية، يبقى قاصرًا عن المعالجة الحقيقية، فلو وجد أيٌّ من هؤلاء الهاربين في وطنه وبين أهله قوتَ يومِه وغدِه، لما أقدم على ركوبِ الليلِ والموجِ والأملِ المالح. هنا يكمن دورنا جميعًا في البحث عن المقومات الوطنية التي تمكننا من بناء هذه الدولة التي توزع الخيرات المرتقبة على الجميع، وفق خطة تنمية عامة شاملة. ولا أريد الغوصَ كثيرًا في هذه النقطة، لكنني أشير بشكل عابر إلى أن الدولة الحديثة باتت مطلبًا وجوديًّا لبقاء الإنسان اللبناني، ولا شكَّ في أن للقوى الأمنية دورًا مفصليًّا في منع تهريب البشر، عبر عمليات الرصد والاستطلاع، وسائر الوسائل الاستخبارية.
وختمت: قد تتساءلون عن الدور الذي يمكن لنقابة المحامين في طرابلس ان تضطلع به وما هي الاجراءات التي تتخذها امام هذا الواقع . لقد اسسنا في النقابة لجنة لمتابعة ملف زورق الموت تشكلت من ثلة من الزملاء الاكفاء الذين تطوعوا فتوكلوا عن ذوي الضحايا صونا لحقوقهم وسعيا لاحقاق الحق وتحقق العدالة . ولن اغوص الان في تفاصيل الاجراءات القانونية بل اتركها للجنة لتعلن عنها خاصة واننا بانتظار التقرير الطبي العلمي الذي سنستلمه قريبا من نقيب الاطباء في طرابلس الدكتور محمد صافي ليبنى على الشيء مقتضاه.
ريفي
ثم تحدث الزميل غسان ريفي مؤسس “سفير الشمال” ونائب نقيب المحررين جوزيف قصيفي عن دور الإعلام فاشاد بإنعقاد هذه الندوة لما لها من دور في تسليط الضوء على هذه المآسي الظالمة والتي تنطلق اساسا من إستغلال رخيص لحياة الناس وما يعانون منه على صعيد الضائقة الإقتصادية والمعيشية وإقتناص اموالهم وتعريضهم للموت هم وعائلاتهم وتوقف عند بعض تفاصيل هذا الملف المأساوي متمنيا ان تخرج هذه الندوة بتوصيات تُعرض على المؤسسات الرسمية المعنية لان ما يحصل هو ليس هجرة غير نظامية لأنها تكاد تكون إبادة جماعية وفي المركب الذي غرق قبالة طرطوس يتبين انه ابحر تحت تهديد السلاح ومن لا يعلم ذلك فليعلم الآن بأن الناس تعرضوا للقتل وكان المركب قد توقف بحجة عطل طارىء ولكن اُجبر على الإبحار وعند وصوله إلى خارج المياه الإقليمية إختفى من اخذ المال ومن بقي واجه المآسي والموت وعدد قليل قد تم إنقاذه.
وتابع: فكل الشكر للمركز اللبناني للعدالة وكنت اتمنى ان يتم إصدار توصيات عن هذه الندوة، سيما وان هذه المبادرة مسؤولية مجتمعية متكاملة ورسمية ونيابية وسياسية وإقتصادية وامنية وإعلامية.إننا امام مآسي حقيقية تعيشها العائلات وأهالي المناطق الشعبية وأصحاب الدخل المحدود، وتؤدي إلى إرتفاع عدد المتشردين بنتيجة الفقر المدقع والأوضاع الأليمة التي يعيشها بلدنا، مما يدفع بالعديد من المحتاجين والذين يعانون الأمرين في الحصول على لقمة الخبز، لاشك انه إذا جاء احدهم يغريه بالإنتقال إلى اي بلد متحضر او إلى اي منطقة في العالم المتمدن و”يزيّن” له المعيشة الجيدة هناك، لا بد ان يتجاوب ويبيع ما فوقه وما تحته ويستدين ليدفع اجرة المركب .
معماري
وتحدثت الدكتورة دينا معماري عن دور الدعم النفسي والمسار العلاجي ما بعد قوارب الموب لاسيما لجهة الشعور بالحزن وسرعة الغضب والفراغ أو فقدان المتعة او الإهتمام بالانشطة في معظم الأوقات لمدة حوالي اسبوعين وقد تظهر على من يتم إنقاذه اعراض مختلفة منها حالات اليأس او حتى التفكير في الموت او الإنتحار او إضطرابات النوم وتقلبات الشهية او الشعور بالتعب حيث يواجه هؤلاء او بعضهم نوبة إكتئاب وصعوبات في العلاقات الشخصية والاسرية والإجتماعية
وتابعت: عندما يمر الإنسان بصجمة نفسيى مثل التعرض لموت ابنائه او زوجته امامه يصاب بإضطرابات ما بعد الصدمة النفسية ويحدث لمعظم الاشخاص في البداية اعراض مثل عدم القدرة على التفكير في ما حدث إضافة إلى الخوف والقلق والغضب والإكتئاب والشعور بالذنب.
وأشارت إلى ان المسار العلاجي ما بعد قوارب الموت يكمن في مسارين الاول هو مسار وقائي قبل الحادثة وآخر بواسطة جمعيات مؤهلة ومخصصة من شأنها ان تساعد في التشافي والوقاية من ادمان المواد الكحولية او المخدرة.
بارودي
ثم تحدث الأميرال نزيه بارودي عن التدابير التي يتخذها ويقوم بها فوح مغاوير البحر التابع للجيش اللبناني لتأمين سلامة التنقلات البحرية والتأكد من شرعية ابحارها وما تحمله وتقله من اشخاص وبضائع.
علم الدين
من جانبه، قارن المدير السابق لكلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية د.محمد علم الدين، بين ما سماها الأسباب الطاردة للمهاجرين من بلادهم، والتي تتمحور حول عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، والأسباب الجاذبة في الدول المهاجر إليها، داعياً إلى تحول الندوة لورشة عمل وطنية دائمة تبحث في أسباب الهجرة غير النظامية وتداعيتها وسبل معالجتها ومكافحتها.
واختتمت الكلمات مع شهادة حية لوالد الضحية هاشم متلج، أشار فيها إلى التخبط الرسمي في مقاربة مسألة الإنقاذ والمعلومات المتضاربة على هذا الصعيد، معلناً وقوفه خلف الجيش اللبناني، ولكن في الوقت نفسه، رغبته في معرفة حقيقة خواتيم هذا الملف.
واعقب ذلك حوار بين الحضور والمحاضرين.